ghaith عضو نشيط
المشاركات : 29 نقاط : 59 تاريخ التسجيل : 22/01/2012
| موضوع: رجل الهواجس الأحد يناير 22, 2012 11:47 pm | |
| امسك الإبريق من رأسه الأنبوبي بعد أن ملأه ماء من البرميل ، وخطا خطوتين على عجل قبل أن ينزلق الإبريق من يده ليسقط أرضا ، فتدفق ما كان فيه من ماء ، إنحنى احمد على الإبريق وعاد به نحو البرميل ثانية ، لكنه قرر هذه المرة أن يتوضأ قرب البرميل خوفا من تدفق الماء مرة أخرى ، كما يحصل معه في أحيان كثيرة ، غسل يديه ثلاث مرات وهو يفركهما بشكل متأن ، وكان يخط بقدمه في الأرض عند كل مرة يغسلهما فيها حتى تأكد له أنه بالفعل خط ثلاث خطوط في التراب ، لكن قبل أن يلقي نظرة أخيرة على ماخط من خطوط جاءت شاة ماعز ومرت من فوق هذه الخطوط مخفية اثنين منها بقدميها ، داخله الشك ولم يعد متأكدا من عدد المرات التي غسل فيها يديه ، حينها قرر البداية من جديد ، غسل يديه ووجهه وساعديه ومسح رأسه وأذنيه ، وعندما أمسك قدمه اليمنى ليغسلها فكر في أنه لا يتذكر هل غسل وجهه فعلا أم لا ، عندها أعاد الوضوء مرة أخرى غير أن إبريق الماء نفد عند وصوله لمسح الرأس ، أخذ أنبوب جذب الماء وأدخله في البرميل لكنه عندما أدخل الأنبوب في فمه وحاول جذب الماء من البرميل لا حظ أن الأنبوب لم يصل إلى مستوى الماء في البرميل بسبب قلة المياه فيه ، فأمال البرميل وجذب مرة أخرى بفمه المياه من الأنبوب ، وبعد عدة محاولات نجح في مسعاه وامتلأ الإبريق ماء ، جلس وفكر من أين يبدأ لأنه لم يعد يتذكر أين انتهى ، غير أنه لا حظ أن أعضاءه التي يشك في أنه غسلها أصبحت يابسة تماما ، فأعاد وضوءه ونجح في إتمامه رغم بعض الشكوك الصغيرة حول باطن القدم اليسرى ، سئل كعادته كل يوم أهله واحدا واحدا عن اتجاه القبلة ، لم يتأكد تماما من جهتها رغم اتفاق جميع من سأله على جهة واحدة ، فكر في أنه إذا لم يصل في اتجاه القبلة فلا جدوى من صلاته ، حدثته نفسه بأن يصلي الظهر ثلاث مرات في الجهات التي يشك في أنها في اتجاه القبلة ، لكنه عدل عن تلك الفكرة ، وعقد العزم بدلا من ذلك على الإكثار من صلاة النافلة والتهجد ، قرر بعد تردد أن يصلي فكبر ثم سلم ثم كبر ثم سلم كان يعتقد أن نية الصلاة غير صحيحة ، رفع أخيرا يديه قائلا اللهم إني عبدك فلان إبن عبدك فلان سأصلي الظهر أربع ركعات ، قرأ الفاتحة والسورة بصوت أقرب إلى الجهر منه إلى السر وعندما انحنى ليركع فكر في أنه ليس متأكدا تماما من طهارة ثيابه فسلم من جديد نزع تلك الثياب واستبدلها بأخرى ، عاود الصلاة مرة أخرى إلا أنه حين سجد خلال الركعة الأخيرة شك في أنه شم ريحا لم يدر مصدرها فأعاد الصلاة مرة أخرى.سلم بعد أن اقترب وقت صلاة العصر ، كان متعبا ومجهدا ، التفت نحو زوجته طالبا شرابا ، أعدت الزوجة الشراب وقدمته له ، شرب وإضجع وأخرج مسبحته وبدأ يتمتم بأوراده ، وبدأ الكرى يتسلل إلى عينيه ، وفجأة غط في نوم عميق بينما ذهبت زوجته إلى بعض النسوة المجتمعات في دار قريبة ، لم يستيقظ إلا عند أذان المغرب ، هب من نومه مذعورا يستغفر ويتوب إلى ربه من هذا التفريط وفوات الوقت وهو نائم ، توضأ على عجل وصلى العصر بعد محاولات عدة غير ناجحة.لم يكن يذهب إلى المسجد خلال كل صلاة بسبب الوسواس الذي يلازمه والذي لا يستطيع معه متابعة الصلاة مع الناس لشكوكه المستمرة ، لذلك يفضل قضاء الفرض في بيته حتى يتأكد من صحة أدائه له ، لكنه مواظب مع ذلك على الحضور بشكل يومي إلى المسجد فهو يصلي فرضا واحدا على الأقل في المسجد كل يوم ، لكنه غالبا يعيد تلك الصلاة التي صلاها في المسجد بسبب شكه فيها.صلى المغرب بعد جهد ، فأكثر شيء يتعبه دائما هو أداء الصلاة الذي يستنفد الكثير من وقته وجهده ، ورغم كل تركيزه خلال الصلاة و حرصه على تأديتها بشكل صحيح إلا أنه لا يتذكر أنه انتهى من صلاة واحدة وهو متأكد من صحتها تماما ، أجل فقد لا تكون في نظره جميع صلواته التي أدى فيما مضى صحيحة وقد تكون صحيحة ذلك أمر يراوده فيه دوما شك مستمر ، كما أنها حتى ولو كانت صحيحة فقد لا تكون مقبولة منه وتلك داهية كبرى لا حيلة له فيها غير الإستغفار والتوبة إلى الله الذي يتقبل الأعمال.إنه يشك في كل شيء ، وتعتريه الوسوسة اتجاه كل شيء ، يشك في أن المرأة التي تنام إلى جنبه هي زوجته بالفعل فيأخذ المصباح ويفحصها من وجهها إلى أخمص قدميها ، ويوقظها من نومها ليخاطبها حتى يتأكد من هويتها ، لا يأكل من طعام قبل أن يسأل عدة مرات عن مصدره لكن وسوسته مبعثها هو الورع والتقوى ، والحرص على تنفيذ تعاليم الدين كما ينبغي ، ولا يوجد ما يطرده ويعكر عليه صفوه مثل سماعه للغيبة أو النميمة أو الكلام الفاحش أو الكذب ، فهو يسد أذنيه عندما يسمع من ذلك أي شيء ويهرب على عجل كالخائف الوجل ، وهو يعامل الناس باحترام وتقدير دون تفريق أو تمييز بينهم لافرق عنده في ذلك بين الكبراء والحقراء فالكل في نظره إنسان جدير بالتقدير والإحترام ، وهو لا ينتقد على أحد فعلا أو قولا لأن كل إنسان مهما كانت درجة فسقه وشره يمكن أن يختاره الله تعالى عن أعماله ، ويجعله من الصالحين ، لذلك فهو لا يسيء الظن بأحد مهما كان ، ولا يشتم أحدا أو يذمه ، ومع وسوسته الدائمة تراه دائم الإبتسامة ظاهر البشاشة ، نقي القلب لا يضمر حقدا أو غلا لأحد ، وهو مشغول بنفسه عن غيره ، مما جعل منه إنسانا محبوبا لدى كل من يعرفه ، فقد لمس الناس فيه هذا القدر الكبير من الورع والزهد و الإستقامة فصار محل ثقة واحترام وتقدير من طرفهم ، وبسبب سعيه المستمر للصلح بين المتخاصمين وحرصه على ذلك لما فيه من خير كثير كما يقول ، بسبب ذلك ولعلمه وفقهه في الدين أصبح العديد ممن يعرفه يأتون إليه للحكم بينهم ، نظرا لمعرفة كل خصم بالمكانة التي يتمتع بها الرجل لدى خصمه ، ولعلمه بأن أي حكم يصدر منه مهما كانت طبيعته يعتبر حلا نهائيا وحسما تاما للمسألة في نظر الجميع ، ورغم عدم قبوله لأن تكون قراراته التي يصدر أحكاما قضائية ، وتحذيره للناس من اعتباره قاضيا ، وإنما مجرد مصلح وموجه ، ونفوره من القضاء بين الناس وخوفه منه على آخرته كما يقول ، إلا أن ما يصدر عنه من أقوال وارشادات ينفذها الناس كأنها أحكام قضائية غير قابلة للطعن ، ويقتنعون بها بشكل أكثر بكثير من اقتناعهم وتنفيذهم للأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم.انتهى من صلاة العشاء ومن صلوات النوافل ، وجلس يلهج بالدعاء والإستغفار ، أحس بأن جانب دراعته به بلل لم يدر مصدره ، شمه لكن ما فائدة الشم ، فهو لا يميز بسبب وسوسته بين رائحة البول وبين أي رائحة أخرى ، لأنه يتوهم دائما رائحة البول في ثوبه حتى ولو لم يستطع أن يشم أي رائحة على الإطلاق قرر إعادة صلاة العشاء من جديد وبالتالي صلوات النوافل أيضا ، عاود الصلاة مرة أخرى ، ولم يكد ينتهي منها حتى أخذ منه التعب مأخذه ، فهو لم يعد شابا قويا بإمكانه القيام بتلك العبادات الشاقة كما كان الحال في السابق ، طالما فكر في هذه النقطة بالذات وكيف يتعامل معها؟ ، إنه لا يستطيع مواصلة أداء الصلوات على هذا المنوال بسبب ضعفه البدني الناتج عن كبره في السن ، ولا يستطيع أيضا الحصول على قدر معين من الإطمئنان على صحة الصلاة دون ما يقوم به من مجهود متعب ، لكنه فكر أيضا في أنه حتى مع ذلك المجهود والتعب فهو دائما يبقى لديه شك في صحة الصلاة.فكر فيما يفعل إزاء هذه المشكلة ، إغتم كثيرا ، وتعكر مزاجه ، صلى صلاة الإستخارة عل الله يلهمه مخرجا من هذا الإشكال ، لم ينم الليل بطوله فقد بات يتهجد ، ويدعو ربه حتى حان وقت صلاة الفجر عندها أخذ إبريق الوضوء وملؤه ماء وبدأ يتوضأ ، أنهى وضوءه بسرعة هذه المرة ، وصلى الفجر دون أن يعيد أيا من الوضوء أو الصلاة ، وجلس يتلو أوراده ، وفجأة تذكر أنه لم يخالجه أي شك أو وسوسة خلال الوضوء والصلاة ، فحمد الله وسجد شكرا لربه. | |
|